تأتي هذه الانتخابات المبكرة بعد انهيار الائتلاف الحاكم بقيادة المستشار أولاف شولتس في نوفمبر 2024، وذلك نتيجة خلافات حادة حول الميزانية وسياسات الهجرة، إضافة إلى التحديات الاقتصادية الناجمة عن التضخم وارتفاع تكاليف الطاقة. كما لعبت القضايا الأمنية، لا سيما المتعلقة بالإرهاب الداخلي والجريمة المنظمة، دورًا في زيادة التوتر السياسي.
تصاعدت هذه التوترات بعد انسحاب حزب الديمقراطيين الأحرار (FDP) من الحكومة الائتلافية، مما أدى إلى فقدان الائتلاف لأغلبيته البرلمانية، ودفع بالرئيس الاتحادي فرانك-فالتر شتاينماير إلى الدعوة لحل البوندستاغ وإجراء انتخابات مبكرة، في محاولة لاستعادة الاستقرار السياسي في البلاد.
حصل على حوالي 28.5% إلى 29% من الأصوات، مما يعكس تقدماً ملحوظاً مقارنة بانتخابات 2021. جاء هذا الفوز بفضل تركيز الحزب على القضايا الاقتصادية وأمن الحدود، وتعهداته بإصلاحات واسعة في مجالات الهجرة والطاقة.
سجل أفضل نتيجة انتخابية في تاريخه بحصوله على 19.5% إلى 20% من الأصوات. جاء هذا الصعود نتيجة استغلال الحزب لمخاوف المواطنين بشأن سياسات الهجرة والجريمة، إضافة إلى انتقاده الحاد لسياسات الاتحاد الأوروبي.
تراجع إلى 16% إلى 16.5%، وهي أسوأ نتيجة انتخابية له منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ما يعكس خيبة أمل الناخبين في أداء المستشار شولتس وحكومته.
حصل على نسبة تراوحت بين 12% و13.5%، متراجعاً مقارنة بانتخابات 2021، حيث فقد بعض التأييد بسبب الجدل حول سياسات الطاقة والبيئة.
حصل على 6% إلى 6.5%، مسجلاً انخفاضًا كبيرًا بعد انسحابه من الائتلاف الحاكم.
شهدت هذه الانتخابات نسبة مشاركة مرتفعة بلغت 83%، وهي الأعلى منذ إعادة توحيد ألمانيا في عام 1990، ما يعكس اهتمامًا غير مسبوق بالعملية السياسية وسط حالة عدم اليقين السائدة.
يشير فوز الاتحاد المسيحي الديمقراطي إلى احتمال تشكيل حكومة جديدة بقيادة فريدريش ميرتس، إلا أن غياب الأغلبية المطلقة سيجبر الحزب على الدخول في تحالفات مع أحزاب أخرى. من المرجح أن يتم التفاوض على تشكيل ائتلاف يضم الحزب الديمقراطي الحر (FDP) وربما حزب الخضر، بينما تظل فرص الحزب الاشتراكي الديمقراطي في العودة إلى الحكم ضئيلة.
في المقابل، يمثل الصعود القوي لحزب البديل من أجل ألمانيا تحدياً كبيراً، إذ إن حصوله على هذا العدد الكبير من المقاعد قد يعقد المفاوضات السياسية، خاصة أن الأحزاب الكبرى ترفض التحالف معه.
بشكل عام، تعكس هذه الانتخابات تحولات جوهرية في المشهد السياسي الألماني، حيث يتجه الناخبون نحو الأحزاب التي تتبنى مواقف أكثر وضوحًا في قضايا الأمن والهجرة والاقتصاد، مما قد يؤثر بشكل كبير على سياسات ألمانيا الداخلية والخارجية في السنوات المقبلة.
مع استمرار التغيرات السياسية والاقتصادية، تجد الحكومة المقبلة نفسها أمام مجموعة من التحديات الجوهرية التي تحتاج إلى استراتيجيات فعالة لمواجهتها. ومن بين أبرز هذه التحديات:
دخلت ألمانيا في ركود اقتصادي للعام الثالث على التوالي، مما ألقى بظلاله على مختلف القطاعات الإنتاجية والخدمية. تباطؤ النمو، وارتفاع معدلات التضخم، إلى جانب تراجع ثقة المستهلكين والمستثمرين، جعل من الضروري اتخاذ تدابير اقتصادية عاجلة. تتطلب المرحلة القادمة:
-ضخ استثمارات جديدة في البنية التحتية والتكنولوجيا لتعزيز القدرة التنافسية.
-تقديم حوافز ضريبية للشركات الصغيرة والمتوسطة لدعم الابتكار وخلق فرص العمل.
-معالجة أزمة الطاقة المتفاقمة، خصوصاً مع التوجه الأوروبي نحو تقليل الاعتماد على مصادر الطاقة الروسية.
لا تزال قضية الهجرة واحدة من أكثر المواضيع إثارة للجدل في ألمانيا، حيث تواجه الحكومة تحدياً في تحقيق التوازن بين الأمن وحقوق الإنسان. ومع تزايد تدفق اللاجئين والمهاجرين، تبرز الحاجة إلى:
-إصلاح سياسات اللجوء بما يضمن سرعة البت في الطلبات وتوزيع عادل للمهاجرين بين الولايات.
-تعزيز سياسات الاندماج لضمان استفادة المجتمع من الطاقات البشرية القادمة، عبر تحسين برامج اللغة والتدريب المهني.
-تعزيز الرقابة على الحدود بالتنسيق مع دول الاتحاد الأوروبي لمكافحة الهجرة غير النظامية.
في ظل التحولات السياسية الكبرى، ستحتاج ألمانيا إلى إعادة تقييم سياساتها الخارجية، لا سيما مع التطورات التالية:
-عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض: في حال فوزه بولاية ثانية، قد تتأثر العلاقات الأمريكية-الألمانية، خاصة فيما يتعلق بالتعاون داخل حلف الناتو، والتوجهات التجارية بين البلدين.
-العلاقات مع الصين وروسيا: ستظل ألمانيا بحاجة إلى تحقيق توازن دقيق بين مصالحها الاقتصادية وأمنها القومي، خاصة في ظل العقوبات المفروضة على روسيا والتوترات التجارية مع الصين.
- تعزيز دورها في الاتحاد الأوروبي: مع تصاعد النزعات القومية في بعض الدول الأوروبية، سيكون على ألمانيا قيادة جهود تعزيز التكامل الأوروبي، خاصة فيما يتعلق بسياسات الدفاع والطاقة.
يبقى السؤال المطروح: هل تمتلك الحكومة المقبلة القدرة والإرادة السياسية لمواجهة هذه التحديات بفعالية؟ في ظل تنامي الانقسامات السياسية وتزايد الاستقطاب المجتمعي، تبدو المهمة صعبة، لكنها ليست مستحيلة. المطلوب هو تبني سياسات واقعية تأخذ في الاعتبار مخاوف المواطنين، مع الحفاظ على القيم الديمقراطية التي قامت عليها ألمانيا الحديثة.
إن المستقبل السياسي والاقتصادي للبلاد سيتحدد بناءً على قدرة الحكومة على اتخاذ قرارات حاسمة ومتوازنة، تحول دون السماح لليمين المتطرف بمواصلة استغلال الأزمات لصالحه، وتحافظ على مكانة ألمانيا كقوة اقتصادية وسياسية في أوروبا والعالم.
تعكس نتائج انتخابات 2025 تحولاً في المشهد السياسي الألماني، مع صعود قوى اليمين وتراجع الأحزاب التقليدية. ستكون الفترة المقبلة حاسمة في تحديد مسار البلاد وقدرتها على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
WhatsApp us